قرأت أو شاهدت أحدهم يتحدث عن أحمد السقا وتعامله مع الناس في مواقع التصوير، فقال انه يضع صندوقا ويجلس عنده، حتى إذا رأى ممثلا متأخرا عن التصوير قد جاء، أمره بوضع مال في هذا الصندوق جراء تأخره، ولربما كان المال المتبرع به كبيرا إذا كان التأخر طويلا وهكذا..
ثم يجمعون هذا المال ويوجهونه في شيء ” خير”، كإصلاح حال متعثر ، أو تجهيز عروسا، أو علاج مريض وهكذا..
فلماذا يفعل أحمد السقا ذلك؟ ولماذا يستجيب أصدقاءه لهذا ؟
هي في الحقيقة محاولة لغسل الذات من دنس اللعب بالمشاعر وتسعير الشهوات بين الشباب، ولبس زي المتدين في وسط يعد فيه المصلي متشددا والممتنع عن القبلات متعاطفا مع الإرهابيين..
وقد كان أهل الكبر قديما يضعون “الكاميرات” على أنفسهم، ويتبرعون للفقراء وهم يلعبون، فان أصل الميسر عند أهل الجاهلية هو أن أهل اليسر والمال والثروة كانوا يتقامرون على أجزاء ناقة ينحرونها للفقراء، فيتقامرون بالأقداح والنفع يكون للفقراء.
وقد كان أهل الميسر هؤلاء يشترون الناقة ولا يدفعون ثمنها إلا بعد انتهاء عملية القمار، فالخاسر يدفع ثمنها والرابح هو الذي يقسم اللحم على الفقراء، وقد أسسوا لذلك نظاما، فيقسمون الناقة إلى أجزاء والأقداح إلى أنواع أقصاها سبعة، ثم يلعبون..
وتوزيع اللحم على الفقراء هو الخير في الميسر والذي أشار إليه القرآن الكريم في قوله (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما).
ولأن حب الخير شيء فطري، يسعد به الإنسان ويستريح به من ثقل المعاصي التي تُظلم القلب فتمنع النوم، وتكدر المزاج فتمنع الراحة، لهذا تجد الناس كلهم على اختلاف مشاربهم يعملون الخير ويتبرعون ويجتمعون على مثل هذا..
وأهل الجاهلية كانوا كذلك وأكثر، وهم في فعلهم كانوا أفضل من فعل السقا وأصحابه، إذ أن عملهم كله كان يذهب للفقراء، بغير تسعير شهوات ولا اختلاط محرم ولا لعب بالعقائد والأفكار، فقد كانوا يقامرون لإطعام الفقراء، وعلى الرغم من ذلك منعه الإسلام وعد ذلك كبيرة من الكبائر..
هذا اللوع النفسي والتحايل العقلي لا يخرج من نفس سليمة ولا فطرة سوية، فلا يقيم الإنسان على ذنب وهو مصر عليه عاكفا عليه، مجودا له، ثم يبحث عن محلل ، كالراقصة تذهب للحج، واللص يصوم رمضان ويقيم مائدة للرحمن ، فهذا كله باطل لا خير ولا فائدة…
وقد حكم الشرع ببطلان هذا المنهج، ولا يختلف هذا كثيرا عن منهج أهل السبت وهو عند علماء الشريعة- التحايل – أشد من الوقوع في الذنب.
قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون).
فهذا النوع من العمل الخيري رجس من عمل الشيطان.
وأخطر ما في هذا التركيب النفسي هو إصرار صاحبه ومراقبته الصارمة لقلبه وذاته، فلا يسمح للخير أن يتسلل بأكثر من ذلك في قلبه حتى لا يترك عملا ولهوا هو يعيش عليه ويقتات عليه، بل يجعل للخير “هذا” مساحة عقلية وقلبية لا تتجاوزها فتحاكمه وتحاسبه، فهو مثل المرهم الذي يضعه على عضو مصاب بتشنجات وإلتهابات…
ثم هو يجمع هذا ويحفظه في عقله كله لنفسه، حتى إذا كبرت سنه جلس يحكي كيف أنه كان يفعل الخير ولا ينسى فضل ربه عليه – كما يظن – بل إنه كان داعية للخير، فقد يحمل الناس على الصدقات والتبرع للمساكين والبحث عن المحتاجين في كل – لوكشين- ينزلون به، وهذه منزلة رفيعة، وعمل لم يقدر عليه إلا هو..
قد يسعى الإنسان لذكر نفسه، ولحفر اسمه بين أهل الدنيا، ولكن أهل الدين يمقتون هذا الفعل جدا ويعدونه مرضا خبيثا متوغلا متمكنا يصعب الشفاء منه، وقد يزال بعملية جراحية.
والله الهادي.
علاء ناجي