كنت ديما بتضايق جدًا من إجابات الشيوخ على سؤال (إشمعنى؟) بإنهم يقعدوا يفصّلوا ويشرحوا ويبرروا ويلطّفوا -وكأنهم في مقام اتّهام وينبغي أن يقدّموا مرافعة الدفاع!- قبل ما يغرسوا الأصل العقدي الأهم على الإطلاق.. إنه ببساطة، مُلكه! يفعل فيه ما شاء!
ليه للذكر مثل حظّ الأنثيين؟
قبل ما تشرح للسائل فلسفة الميراث والإنفاق في الإسلام، فهّمه إن ده مُلك الله لا يُسأل عما يفعل، ولو أمر ألا ترث المرأة مُطلقًا أو لا يرث الرجل مُطلقًا لحُق له.. ليه؟
لأننا (لله).. أي من ملكه.. لسنا بشيء… ولا نستحق على الله أي شيء.. وعدله سبحانه لا يلزم منه المساواة بين خلقه.. بل لا يلزم منه العطاء مُطلقًا.. وإنما عطاؤه هو محض الفضل والكرم والجود والمنّة.
.
ديما كنت بشوف ده في قوله تعالى في سورة الأنعام:
[وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ]
الي هو إشمعنى الأنبياء ينزل عليهم الوحي دوننا؟
الجواب الجامع المانع من الحق سبحانه: [اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ].
إيه ده خلاص كده؟! آه! هو الملك سبحانه العليم الخبير الحكيم.. وأنت عبدٌ جاهل قد خلقتك من نُطفة وقد كُنتَ عدمًا! فليس لك من الأمر شيء، يعني خليك في حالك وتسأل فيما يخصك وفيما ستُسأل عنه (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون).
ليه يخلق آدم ويُفضّله بالعلم والتعليم ويأمر الملائكة أن تسجد له؟
مُلكه!
ليه يفضل البشر على من سواهم ويسخر لهم البر والبحر؟
مُلكه!
ليه يفضّل الأنبياء -عليهم السلام- على من سواهم؟
مُلكه!
ليه يفضل بعض الأنبياء على بعض؟
مُلكه!
ليه يفضّل بني إسرائيل في زمان ما على العالمين؟
مُلكه!
ليه يجعل هذه الأمة خير أمّة أُخرجت للناس؟
مُلكه!
ليه يعصم القرآن الكريم دون غيره من الكتب السماوية؟
مُلكه!
ليه يفضّل العربيّة والعرب بإنزال القرآن الكريم بالعربية وبعث سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم عربيًّا؟
مُلكه!
ليه يخلق أطفال مشوّهين؟
مُلكه!
ليه يفضّل بعضهم على بعض في الرزق؟ يرزق ده المال والجمال والزوجة والولد والصحّة وراحة البال وكل متاع الدنيا ويدخّله الجنة في الآخرة، ثم يسلب من ذاك كل متاع الدنيا ثم يدخله النار في الآخرة؟
مُلكه!
==
بعد بقى ما تكسر حاجز الاستعلاء والكبر والدخول على الله بنفسية المتألّه المُحاسب المُسائل الذي يرى نفسه ندًا له سبحانه ويحسب أنّه شيء، تلك النفسية الإبليسية بتاعة (أنا) خير منه، وت
وتلاقيه خضع وهدأ وتواضع لله سبحانه وعرف مقامه كعبد جهول فيسأل بنفسية العبد المُسلم المستسلم المتعلم المستفهم عن حُكم سيّده ومولاه سبحانه فقط ليُذعن له كيفما كان = ساعتها ابقى كلّمه عن التشريع الإسلامي، ومقاصده، وفلسفته، وحِكمه، والكلام العظيم اللطيف المهم ده..
وإلا فأنت تُعبّده لنفسه.. لا لله.
=
وكلامنا هنا لمن استقرّ عنده أصول الاعتقاد بالأدلة والبراهين العلميّة، وعلم أن الله موجود سبحانه، وعرف بعض أسمائه وصفاته، وعلم أنه بعث رُسلًا، وأن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله..
.
أما المتشكك في تلك المُقدّمات العقدية، فلا بأس، ولكن لا يُناقش في تلك الجزئيات أصلا، وإنما يُناقش في تلك الأصول أولًا ويُعلمها بهدوء وتفصيل، فإذا استقرت عنده، نبدأ نعلّمه جزئيات الشريعة وتفاصيلها، فإذا سأل حينها (لماذا)، فحاله على قسمين:
إما أنه يسأل سؤال “المعترض” = فيجب أن يُناقش في هذا الأصل العقدي الذي نتحدث عنه.
.
أو يسأل سؤال المستفهم المتعلم = فيُعلّم المسائل التشريعية والمقاصد والحِكم (إن كانت معقولة المعنى وكنا نعلمها).. ومن العبادات ما ليست معقولة المعنى، أي ليس لها علّة، مثل أن صلاة الظهر 4 ركعات، لماذا؟ هكذا أُمرنا، وهذا من باب العبادات غير معقولة المعنى، ومنها ما هو معقول المعنى أي له علّة ما فيعرفها بالدراسة.
أحمد عبد المنصف