صبي بريء يرزق بإخوةٍ كبار كائدين، يخرج معهم فرحًا مسرورًا فيغدرون به ويلقونه في البئر ويُحرم من والديه في أشد مراحل عمره احتياجًا لهم!
ثم يخرج من البئر عبدًا مملوكًا يباع ويشترى!
ثم يدفع إلى السجن بذنب لم يقترفه!
لماذا يفعل الله به ذلك؟ سؤال كان من الممكن أن يسأله يوسف لنفسه في أي مرحلة من تلك المراحل الصعبة ليخلق لنفسه مبررًا، كل المبررات كانت متاحة ليوسف عليه السلام.
كان من الممكن أن يحمل مسؤولية فتنته للمتدينين ويريح ضميره كما يفعل البعض الآن، فإخوته أبناء نبيٍ وفعلوا به ما فعلوا، وقد وجد من العزيز الكافر الغريب عنه من الإحسان والحنان ما لم يجده من إخوته في الدين والدم، فلماذا يتمسك بدينه؟
كان من الممكن أن يتأثر بالبيئة الحضارية الجديدة التي عاش فيها، ويتمرد على دينه الذي كان موطن أهله في البدو حينها.
أما يوسف فلم ير إلا إحسان الله به فلخص كل مِحَنه في قوله تعالى: (وقد أحسن بي) وقوله: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث)
شتان بين نفوس المخلصين التي ترى مقاصد البلايا، ونفوس المخذولين الذين يخاصمون الله في أقداره.
كل محنة من محن يوسف كان لها مقصدها من الرحمة واللطف:
– وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه
– ولما بلغ أشده آتيناه حكمًا وعلمًا
– كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء
– فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن
– كذلك مكنا ليوسف في الأرض
إن الله ينزل مع كل بلاء رحمة، ومع كل مؤنة معونة، ويحسن بك في قلب المحن فلا تجزع، ولا تسئ الظن بالله ولو حُمِّلت الجبال حملًا، كن من عباد الله المخلَصين كيوسف الصديق.
أحمد سمير