قال أحدهم يومًا: [إذا نزل مؤمنٌ وكافـرٌ إلى البحر فلا ينجو إلا من تعلم السباحة، فالله لا يحابي الجهلاء، فالمسلم الجاهل سيغرق، والكافـر المتعلم سينجو].
.
وتلك عبارة قبيحة للغاية وفاسدة، وإن كان ظاهرها الحُسن.
وكما قال شيخنا الدكتور د.أسامة المراكبي بتصرّف:
وهل بالفعل لن ينجو إلا من تعلّم السباحة وأخذ بأسباب الدنيا وإن كان كافرًا بخالقها؟
لا والله، بل هذا ظن الأحمق الجاهل المغرور!
.
وهل قوّة فرعون وجيشه المدرّبين على السباحة عصمتهم من الموج؟ أم هل تدريب بني إسرائيل وعلمهم هو من أنجاهم من بطشه؟
.
وهل ثبتت سفية نوحٍ وهي تجري بالمؤمنين في موجٍ كالجبال إلا بفضل ومعيّة من الله (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها).
.
وهل عصم الجبل ابن سيدنا نوح من الموج؟
لا والله (قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ)
.
وهل نجى سيدنا إبراهيم من النار لأنه تدرّب وارتدى بدلة مضادة للنار؟
أم هو لطف الله تعالى (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)
.
وهل نجى سيدنا يونس من بطن الحوت بعلمه لولا فضل من الله؟!
(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ).
.
وهل كثرة جنود المسلمين وقوّة عتادهم أغنتهم يوم حُنين؟
لا والله، بل قال ربنا سبحانه:
[لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ!
ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين].
.
وهل قوم عاد الذين استكبروا في الأرض وقالوا (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) عصمتهم قوتهم وعلمهم من الهلاك؟
بلى وربنا، ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ).
.=
والأمثلة من التاريخ والحاضر لا تُحصى، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!
جميل أن نأخذ بأسباب الدنيا من علم وقوّة، حتى لا يتسلّط علينا كافر فيفتننا في ديننا، لا لأنها ستغنينا عن الخالق جل وعلا، ولكن فقط لأن الخالق أمرنا بذلك وتعبدّنا بتلك الأسباب (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)، (أيان كانت النتائج) سواء أنجونا من البحر أم غرقنا، فالخلق ملكه والأمر أمره!
.
وإياك يا مسكين أنها تغتر بها فتعبد تلك الأسباب، وتحسب بجهلك أنها ستغنيك عن مدبّر الأمر جل وعلا! فإنه لولا لُطفه ومعيته لم تكن!
.
وإن رأيت الله تعالى قد فتح على الكافر في الدنيا فإياك أن تغتر، أو تحسب أنها محض شطارته وعلمه (وتلك قواعد اللعبة وحسب)!
كما ظن من كان قبلك لما قال (إنما أوتيته على علمٍ عندي) ليجيب عليه ربنا سبحانه
(أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)
ولكن لو أنّ تلك الدنيا تساوي عنده جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء!
ولكنه الكريم القائل جل في علاه:
[مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا]
فإن شئت قلت: إذا نزل مؤمنٌ وكافـرٌ إلى البحر، فلا ينجو إلا من أنجاه الله تعالى، فمالك المُلك يفعل ما يشاء ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويحيي من يشاء، ويميت من يشاء، وما أنت إلا عبد له تعبده كيفما أمرك، سواء أغرقت أم نجوت، وأما الكافر الجاحد بربه إن نجى فمحض الفضل منه، والدنيا متاع قليل وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة، وأما النجاة الحقيقية أن نُزحزح عن النار وندخل الجنّة برحمته].
أحمد عبد المنصف