تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية؛ قام الإجماع على تحريمها؛ وقد قال ابن القاسم لا أعلم في ذلك خلافا، وقد ورد ذلك النهي بسند صحيح عن الإمام الكبير الخليفة الراشد المحدث الملهم عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-:(لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخط ينزل عليهم. أخرجه البيهقي بسند صحيح. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى في أحكام أهل الذمة:-(ابن القيم: وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه… إلخ)
وطبعا لو هنأهم ليس موافقة على ذلك لكن من باب تأليف القلوب أو ما شابه من الأغراض الأخرى= فهذا حرام ولا يخرجه ذلك من الدين؛ لكنه يحتاج إلى مناصحة وتفهيم وزجر -إن اقتضى الأمر-.
ولا تجوز المشاركة لهم وإقامة الحفلات بتلك المناسبة، ولا إظهار الفرح والسرور بها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم): “مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء”
وحتى وإن كان بيننا وبينهم صلات أو كنا نعيش في بلاد الغرب؛ فليس هذا مما يُجاملون به، حتى وإن جاملونا في أعيادنا؛ فأعيادنا حق مرتبطة باعتقاد صحيح؛ بخلاف أعيادهم التي هي أصلا فرع عن اعتقاد كفري فاسد.
وفعل ذلك= مداهنة في دين الله وسبب من أسباب ترسيخ اعتقادهم الكفري والتقوي بدينهم.
ومذهب الأحناف والشافعية والمالكية في المعتمد على الحرمة؛ فإن فعله رضا بدينهم فإنه يكفر بذلك.
وعند أصحابنا فإنني أنقل لكم هذا النص البديع: ( و ) يكره ( التعرض لما يوجب المودة بينهما ) لعموم قوله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية . ( وإن شمته كافر أجابه ) ; لأن طلب الهداية جائز للخبر السابق . ( ويحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم ) ; لأنه تعظيم لهم أشبه السلام . ( وعنه تجوز العيادة ) أي : عيادة الذمي ( إن رجي إسلامه فيعرضه عليه واختاره الشيخ وغيره ) لما روى أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا , وعرض عليه الإسلام فأسلم فخرج وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه بي من النار } رواه البخاري ولأنه من مكارم الأخلاق . ( وقال ) الشيخ ( ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى ) وغيرهم من الكفار ( وبيعه لهم فيه ) . وفي المنتهى : لا بيعنا لهم فيه ( ومهاداتهم لعيدهم ) لما في ذلك من تعظيمهم فيشبه بداءتهم بالسلام . ( ويحرم بيعهم ) وإجارتهم ( ما يعملونه كنيسة أو تمثالا ) أي : صنما ( ونحوه ) كالذي يعملونه صليبا ; لأنه إعانة لهم على كفرهم . وقال تعالى { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ( و ) يحرم ( كل ما فيه تخصيص كعيدهم وتمييز لهم وهو من التشبه بهم , والتشبه بهم منهي عنه إجماعا ) للخبر ( وتجب عقوبة فاعله )) ا.هـ كشف القناع عن متن الإقناع للعلامة البهوتي (3/131) .
وكلام الدكتور أحمد الطيب والدكتورعلي جمعة ومن شاكلهم مضروب به عرض الحائط، وقد نقل عن سادة لهم في الفقه قدم صدق، وهم فوق المذكورين فقها وعلما وعملا وقدرا خلاف ما قرراه من مخالفة الإجماع ومعروف مسلك شيخ الأزهر وقدره في الفقه!
يقول فضيلة الشيخ علي محفوظ الأزهري رحمه الله تعالى : (مما ابتلي به المسلمون وفشا بين العامة والخاصة مشاركة أهل الكتاب من اليهود والنصارى في كثير من مواسمهم كاستحسان كثير من عوائدهم ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود أن محمداً يريد ألا يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه .. فانظر هذا مع ما يقع من الناس اليوم من العناية بأعيادهم وعاداتهم ، فتراهم يتركون أعمالهم من الصناعات والتجارات والاشتغال بالعلم في تلك المواسم ويتخذونها أيام فرح وراحة يوسعون فيها على أهليهم ويلبسون أجمل الثياب ويصبغون فيها البيض لأولادهم كما يصنع أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، فهذا وما شاكله مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح “لتتبعن سَنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم” قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال ” فمن غيرهم” رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .. فعلى من يريد السلامة في دينه وعرضه أن يحتجب في بيته في ذلك اليوم المشئوم ويمنع عياله وأهله وكل من تحت ولايته عن الخروج فيه حتى لا يشارك اليهود والنصارى في مراسمهم والفاسقين في أماكنهم ويظفر بإحسان الله ورحمته)ا.هـ
وقال مالك -رضي الله عنه-: وما لم يكن يومئذ دينا فليس اليوم بدين!
فأتوني بقول واحد لأحد علماء القرون المفضلة قال بمثل ذلك!
وإن أعظم ما يطعن في فقه الرجل عندي أن يعارض المسائل الواضحة وإجماعات السلف؛ لأجل مصلحة عنت له؛ ويكأنهم كانوا عن فهم تلك المصالح بمعزل؟!
د. محمد سرور النجار