السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كثير من المسلمين يعرفون قصةَ ماشطةِ بنتِ فرعون، وملخّصُ تلكَ القصةِ كما وردت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّ فرعونَ علمَ يومًا ما أنّ هذه المرأةَ تعبدُ اللهَ وحدَه، فواجهها بذلك مهدّدًا إيّاها بالعذاب، لكنّها ثبتتْ على إيمانها وقالت: ربّي وربّكَ الله، وعندما رأى ثباتَها أمرَ بقِدْرٍ كبيرٍ من النحاسِ على النار، ثم أمرَ بإلقاءِ أبنائِها فيه، فرأتهم يُلقَون به واحدًا تلوَ الآخر حتّى وصلوا لابنِها الرّضيع، فتقاعستْ لأجله إشفاقًا من الأمرِ عليه، حتى أنطقَ اللهُ رضيعَها الذي أمرَها بالثباتِ على الحق قائلًا: إنّ عذابَ الدنيا أهونُ من عذابِ الآخرة، فألقِيَتْ معه في القِدْر، وغادرتْ هذه الدنيا ثابتةً على إيمانها.
قد يتعجّب المسلمُ مهما كان إيمانُهُ من ثبات هذه المرأة، ولكنْ قد يتردّدُ ضعافُ الإيمانِ أمامَ الحكمةِ من تركِ اللهِ لهذه المرأةِ تواجهُ هذا المصيرَ الصعبَ والشديدَ القسوة. والسؤال هنا: هل في ذلك ظلمٌ لها؟
والجواب في قوله تعالى: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)).
وفي الحديثِ الحسنِ الصحيحِ الذي رواه سعدُ بن أبي وقاص – رضي الله عنه- قال:
قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قال: “الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثَلُ، فيُبتلى الرَّجلُ على حسْبِ دينِه، فإن كانَ في دينهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ على حسْبِ دينِه، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يَترُكَهُ يمشي على الأرضِ ما عليْهِ خطيئةٌ”.
فلا بد أنْ تعلمَ – أيها المسلمُ- أن الدنيا دارُ الابتلاءِ والاختبار، وهي الامتحانُ الأكبرُ والأعظم، الذي وُضِعَ ليُظهرَ الفوارقَ بين البشر، ليميزَ الخبيثَ المجرمَ من الطيّب المؤمن، أمّا تلك المرأةُ المسلمةُ التي كانتْ تملك إيمانًا عظيمًا لا يُقارَن بسواها من المؤمنين، فإنّ من حقّها أن تخضعَ لمثل هذا الاختبار حتى تتميزَ من غيرها، وتأخذَ منزلتَها المستحَقّةِ في الجنة إن شاء الله.
أيّها المسلم، أنت الآن في قاعةِ امتحانٍ عظيمةٍ واسعة، وأمامَك ورقةُ إجابةٍ بيضاء، تملؤها كما شئت، ووقتُ الامتحانِ مرتبطٌ بنهايةِ أجلكَ الذي لا تعرفُ موعدَه!
فلا تضيّعْ وقتَكَ كثيرًا بالتفاصيل مِن حولِك أثناءَ الامتحان.. فإنّك لا تعلم في أيّ لحظةٍ سيُقال لك:
(ضع القلم)…لقد انتهى الوقت!
إعداد: عبد الله مقدادي
أداء: د. شادي السيد
إخراج: مصطفى الشرقاوي
إنتاج: قناة شؤون إسلامية