صحا من نومه وقت الصلاة لكنه لم يُصَلِّ، غسل يده ووجهه ورأسه -أو لعله اغتسل للنظافة- لكنه لم يتوضأ، خرج من بيته لعمله قبل خروج وقت الصلاة لكنه لم يذهب إلى المسجد، لا يأتي عملَه بعد ابتداء وقته ولا يخرج منه قبل انتهاء وقته؛ لكنه لا يعرف مواقيت الصلوات ولو عرفها ما بالى بها، يعتذر إلى صاحب العمل -إذا فرَّط فيه بنوع تفريطٍ- وهو عبدٌ مثله لا يملك له نفعًا ولا ضرًّا -ولعله كغالب أصحاب الأموال والأعمال ظالمٌ فاجرٌ حقيرٌ- ويقضي له ما فاته مما عليه مستمسكًا بنظام العمل في هذا؛ لكنه لا يستغفر الإله الأعلى -جلَّ كبرياؤه- من تفريطه في حقه الأعظم تفريطًا عامًّا منذ كذا وكذا من العُمُر، وهو ربه الذي منه بدأ أمرُه وإليه ينتهي، ولا يعبأ بقضاء ما فاته من صلواته وأحكامها علمًا بها وعملًا لها، يكدح في عمله نفسًا وعقلًا وجسدًا ما يكدح ابتغاءَ رضاء صاحب العمل عنه وزيادته إياه أجرًا مَهينًا؛ لكنه لا يبذل عُشر معشار هذا لربه الأكبر -تبارك مقامه- وإن رضوان الله لهو الرضوان وثوابه هو الثواب؛ ألا ذلك هو الحرمان المبين، يا حي يا قيوم؛ برحمتك منه نستغيث.
“إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ”، “إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”، “وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ”، “وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا”؛ لا تقولوا: لم حرَم الله أولئك! لكنْ قولوا: ما جَنَوا ليَحرمهم الله! لقد خلقهم يوم خلقهم ليَدخلوا جنة معرفته وتوحيده وعبادته، ثم ليُخلِّدهم في فردوسه الأعلى يُحْبَرون فيها أبدًا، فلما عصوا أمره سبقت رحمتُه غضبَه فأنظرهم ما أنظرهم، وغلَب حِلمُه مؤاخذَته فلم يعاجلهم بل أنذرهم ما أنذرهم، لا أحبَّ إليه من العطاء، وأجْوَد عطائه وأوفاه لمن أراده وابتغى رضاه، ما يفعل بحرمان عبدٍ من غفرانه وقد سمَّى نفسه لأجله الغفور الغفار! وما يضره المتابُ عليه وهو الباسط يدَه بالتوبة يُعَرِّضه لها بالليل والنهار! لكنَّ الأبعد لما أصر على جفاء مولاه إصرارًا، وشُغِل بكل شيءٍ إلا بربِّ كل شيءٍ؛ قيل له: قد فرَّطت فيما كرَّمناك به وشرَّفناك من الدخول علينا طَوْعًا واختيارًا، فلنَحْرمنَّك منه بعد جليل إلهامنا وطويل إمهالنا كَرْهًا واضطرارًا، فإن لزمت بابنا تطْرُقه طَرْقَ الفزِعين الفارِّين المنكسرين؛ فتحناه لك فتح الطيبين ونحن خير الغافرين، هذه الصلاة خذها تارةً أخرى.
حمزة أبو زهرة