لا شك أن العلماء هم ورثة الأنبياء في العلم والعمل والبذل والجهاد، وهم صمام الأمان لدى الأمة، إذا ما داهمتها الخطوب الجسام، هم الذين يُصلحون إذا فسد الناس، ويتصدون للتيارات الجارفة بهم نحو الهلاك، هم القادة المصلحون، الذين يقودون العباد والبلاد إلى بر السلامة والأمان، هم الطليعة الذين يتقدمون الشعوب نحو كل خير، ومحل ثقتهم وآمالهم.
لذلك: أمر الله تعالى بطاعة العلماء، وخصهم بالذكر في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ”، وفي قوله تعالى: “فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ”، وفي قوله تعالى: “وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلا”، فمِنْ أولو الأمر الذين تجب طاعتهم؟.. إنهم العلماء.
ولِعلماء الإسلام سلطان على الأرواح تخضع له العامة طواعية ورغبة، خضوعاً فطرياً لا تكلف فيه، لشعورهم بأن العلماء هم المرجع في بيان الدين، وهم لسانه المعبر حقا عن حقائقه والمبين لشرائعه، وهم حُراسه المؤتمنون على بقائه، والورثة الحقيقيون لمقام النبوة.
هذا هو دور العلماء، وهكذا كانوا، وهكذا يجب أن يكونوا.
ولكن عندما يرضى العالِم لنفسه خلاف ذلك، فيصبح من ورثة الشياطين بدل أن يكون من ورثة الأنبياء؛ يرضى أن يكون بوقاً للظالمين؛ يبرر ظلمهم ويُزينه في أعين الناس، يلبس الحق بالباطل، يقول ما لا يفعل ويفتي بما لا يعلم.. فإنه حينئذٍ يفقد دوره الريادي القيادي المناط به، ليصبح من الذين ضلوا وأضلوا…
إن فساد الحكام أهون على المسلمين من فساد العلماء، وما أجمل قول ابن النحاس في كتابه القيّم “تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين”، حيث بين أن ترك العلماء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يترتب عليه فساد كبير عريض… قال رحمه الله تعليقاً على قول الله تعالى: “لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ”…. دلَّت الآية على أنَّ تاركَ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عنِ المنكرِ كمُرتكبِه!، والآية توبيخ للعلماء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – كما قاله القرطبي، وتاللهِ إنهم لَأَهلٌ لكلِّ توبيخٍ فأنى يَصلُح الناسُ والعلماء فاسدون ؟!، أم كيف تعظم المعصية في قلوب الجاهلين والعلماء بأفعالهم وأقوالهم لم ينهوهم عنهـا ؟!، أم كيف يرغب في الطاعـة والعلمـاء لا يأتونها؟!، أم كيف يتركون البدعَ والعلمـاءُ يرونها فلا ينكرونها؟!
إلى أن قال -: (وأما في زماننا هذا فقد قـيَّد الطمع ألسن العلماء فسكتوا إذْ لَم تساعد أقوالَهم أفعالهُـم،” فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ” ، فإذا نظَرنا إلى فسادِ الرعية وجدنا سببه فساد الملوك ، وإذا نظرْنا إلى فساد الملوك وجدنا سببه فساد العلماء والصالحين ، وإذا نظرنا إلى فساد العلماء والصالحين وجدنا سببه ما استولى عليهم من حبِّ المالِ والجاهِ وانتشارِ الصِّيِتِ ونَفَاذِ الكلمة ومداهنة المخلوقين وفساد النيات والأقوال والأفعال).
ورحم الله ابن المبارك إذ يقول: وهل أفسدَ الدينَ إلا الملوكَ وأحبارُ سُوءٍ ورُهبانُهَا
يقول أبو بكر الوراق: «الناس ثلاثة: العلماء، والأمراء، والقراء، فإذا فسد الأمراء فسد المعاش، وإذا فسد العلماء فسدت الطاعات، وإذا فسدت القراء فسدت الأخلاق» شعب الإيمان للبيهقي.
يقول سفيان بن عيينة: “من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى”. فاليهود كان لديهم العلم، لكنهم ضلوا وأضلوا على علم، فغضب الله عليهم، فالعلماء الذين يفسدون، وهم لديهم العلم، تشبهوا باليهود بهذا النوع من الفساد، وإن من فسد من عُبَّاد هذه الأمة وضل، ففيه شبه من النصارى، الذين عبدوا الله على جهل، إذ يقول الله تعالى عنهم في القران الكريم “وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا.”
ومن يتدبر في القرآن الكريم يجد أوصافا عديدة واضحة؛ وصف الله تعالى بها من ضل من اليهود أو النصارى، أذكر منها الآية الكريمة “وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم” فقد يبتلى بعض المنتسبين إلى العلم وغيرهم بنوع من الحسد! يحسدون من هداه الله إلى علم نافع أو عمل صالح، فهذا الحسد خلق مذموم بالمطلق، إذ إنه السبب وراء فساد اليهود وضلالهم وغضب الله تعالى عليهم! فاليهود يكتمون بعض ما أنزل الله إليهم من الكتاب من بعد ما بينه الله تعالى لهم، وهذا يقع فيه طوائف من المنتسبين إلى العلم، فإنهم تارة يكتمون العلم بخلاً به وكراهة لأن ينال غيرهم من العلم ما نالوه؛ وتارةً اعتياضاً عنه برئاسة أو مال! أي يكتمون بعضاً من علمهم لينالوا مركزاً سياسيا أو سلطة أو مال، ويخاف من إظهاره انتقاص رئاسته أو ماله!
وليس علماءُ زماننا استثناءً من تلك الأمراض والأوبئة، فما إن يقوم الشعب ضد الطاغية الذي يحكمه، حتى يتسابق علماء السلاطين وبلاعمة العصر، ليكونوا أشد على الشعب من كلاب النظام وجلاوزته واستخباراته، وليأمروا الحاكم بإبادة من خالفه، على نحوٍ لربما لم يكن ليخطر ببال الحاكم الظالم نفسه، فويل لهم ثم ويل ثم ويل…
فإن كثيراً من الثورات التي بدأت في السنوات التسع الأخيرة، كان أول أسباب فشلها: خذلان العلماء أمتهم، وموالاتهم الحكام المجرمين، من أجل لَعَاعَةٍ من الدنيا، ومناصب زائلة ومكاسب تافهة، بل إن بعضهم ساقه غباؤه وفساده إلى تأليه حاكمه من دون الله تعالى، ليجعل للملاحدة والمرتدين عن الإسلام ذريعة كبيرة في محاربة الإسلام وأهله.
بل لقد وصل الأمر بعلماء بلدٍ ما من بلاد المسلمين، أن وصموا المجاهد الذي قاتل الطليان بالعاصي المتمرد على ولي الأمر الشرعي!!!!! وغيرهم في بلاد الإسلام اليوم كثير ويا للأسف…
فمتى تفيق هذه الطبقة من العملاء لا العلماء وتتقي ربها، وتريح اعناقها من دماء المسلمين، التي يحملونها قبل الحكام الطغاة، وهم يعلمون أن: من أعان ظالماً على مسلمٍ ولو بشطر كلمة قد برئت منه ذمة الله ورسوله. كما يقول بعض أهل العلم
فكم رأينا عالماً لاِمَعاً، يجالس في الفضائيات عاهرة فاجرة حاقدة على الدين وأهله؛ تطعن في الدين ثم في الأمة، وتنتصر للفاجر الذي يحكمها ويرعى فجورها، وهذا العالم اللامع يصفق لها بقلبه قبل كفيه ولسانه…. فإلى متى يا أمة الإسلام إلى متى؟؟؟!!!