قبل أن أبين ما أنتقده على المصنف والكتاب: أحب أن أكرر ما قلته أولاً أنها وجهة نظر تقبل الأخذ والرد والنقاش، كما أرجو من المصنف الأخ جهاد – وفقه الله – أن يتقبلها بصدر رحب من أخ له يحب لنفسه ما يحبه لأخيه المسلم، وما زال العلماء والمفكرون والمثقفون يرد بعضهم على بعض على مر العصور بعلم وأدب وإنصاف ٍدون تجريح أو تقبيح، ولكن الجو غير الصحي الذي نعيشه هذا الأيام جعلنا ننفر من أي (نقد) ولو كان بناءً غير هادم، فليكن ذلك على بال القارئ، ثم إني أذكر الملاحظات مرسلة على عفو الخاطر دون تقديم الأهم على المهم فأقول وبالله التوفيق:
1 – أي كتاب معاصر يخلو من توثيق دقيق ومصادر ومراجع بالجزء والصفحة = فإنه يكون ضعيفًا جدًا على المستوى العلمي، وهذا لا يمكن أن يُقبل من كتاب معاصر في ظل الخلط الذي نعيشه، خصوصًا أن الكتاب اشتمل على دعاوى عريضة جدًا تحتاج إلى توثيق لإقناع القارئ إلا أن ذلك لم يكن، ولا تكفي الإحالة العامة على كتب التاريخ الموجودة في ذيل الكتاب، وهذا ما يجعل الكتاب ينزل عن المستوى العلمي ليكون كتابًا ثقافيًا عامًا ومعلومات سريعة، وحتى لا يكون كلامي مرسلاً أضرب على ذلك مثالاً واحدًا:
* يذكر الكاتب في ص93 أن أمريكا وبريطانيا والدنمارك وهولندا وغيرهم: كانوا يبذلون الجزية للمسلمين عن يد وهم صاغرون، فسؤالي الآن: أليس من حق القارئ أن يعرف مصدر هذه المعلومة التاريخية العريضة؟ أنا الآن لست أنفي أو أثبت، بل أريد فقط المصدر على هذا الكلام الذي قرأته منذ سنين على صفحات النت دون توثيق.
ومثل هذا في الكتاب كثير.
2 – التأريخ بالتاريخ النصراني والإفرنجي: في الحقيقة هذا من البلاء الذي ابتُلينا به بعد الاحتلال الغربي للمنطقة، وأصبحت كتاباتنا ومراسلاتنا وكل شيء تُؤرخ بتاريخ النصارى، ولا يسلم أحد في زماننا منه – حتى راقم السطور – ولكن أن يكون ذلك في كتاب تاريخي وفي سير وتراجم السلف والخلف فهذا لا يُقبل أبدًا، نحن لا نقبله عمومًا، ولا نقبله في الكُتب الشرعية تحديدًا فكيف في كتاب من أهم أغراض المؤلف منه: ارجاع شباب الأمة إلى الاعتزاز بتاريخهم وهُويتهم! وقد تكرر هذا الأمر من المصنف كثيرا كما تراه في الصفحات التالية (87 – 92 – 97 – 100 – 172 – 193) وغير ذلك كثير.
3 – المصنف جزاه الله خيرًا يكتب باندفاع شديد وعاطفة جياشة قادته إلى الوقوع في مبالغات ممجوجة كثيرة، تصد القارئ عن سبيل الانتفاع من الكتاب، وللمبالغات في الساحة العلمية أو الفكرية = أثر سيء جدًا، والمشكلة أن المبالغين يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، والمصنف – وفقه الله – يبالغ في الوصف، ويبالغ في خلع الألقاب، ويبالغ كثيرًا في استعمال (أفعل التفضيل) ويطلق اطلاقات لا يطلقها إلا من قرأ تاريخ البشرية من آدم إلى زماننا! وأنّى له ذلك؟!
يقول العلامة عبد العظيم الديب المصري نزيل قطر – رحمه الله – (إنّ هذه المبالغات تكون أكثر شيوعًا وذيوعًا من الحقائق: وذلك أمر فطري، فالناس مولعون برواية العجائب والغرائب، نبه على ذلك ابن خلدون وحذر منه نص على ذلك في مقدمته، وذلك لأن رواية الأحداث والوقائع المعقولة والممكنة لا تهز السامع ولا يلتفت الناس إلى من يحكي، فاحتاج الإخباريون إلى المبالغة، قصدًا للإثارة، وجلبًا للسامعين)
(انظر كتابه: بضعة أسطر في كتاب التاريخ ص 136 وهو كتاب نفيس جدًا أنصح به، يتناول مسائل تاريخية بأسلوب علمي بحت)
وإليك بعض الأمثلة للمبالغات والتهويل:
يقول المصنف عن الأسقف (صغاطر) ص135: (كان أقوى إنسان على وجه الأرض في تلك الفترة)!
ويقول عن آريوس ص155 (يُعتبر من دون أي مبالغة من أعظم رجال التاريخ البشري)!
إذا لم تكن هذه مبالغة فما هي المبالغة إذن؟!
ثم يقول عن آريوس نفسه (أسلمت شعوب ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال والنمسا وسويسرا وإيطاليا بسببه… وحول ذلك الرجل مدينة (الفاتيكان) نفسها إلى مدينة إسلامية)!!
وأقول: هذا الأسلوب التوهيمي يضر أكثر مما ينفع، وفي تاريخنا من الجوانب النيرة ما يغني عن استعمال مثل هذه الطرق، وتوضيح ذلك مما لم يوضحه المصنف للقارئ – بغرض التشويق والإثارة – ما يلي:
أن الإسلام نوعان:
* إسلام خاص: وهو ديننا المعروف.
* وإسلام عام: وهم أتباع الرسل، فكل من اتبع رسوله كعيسى أو موسى، وآمن به، وبكتابه غير المحرف، وبشريعته غير المحرفة، قبل بعثة رسولنا عليهم السلام جميعًا = فهو مسلم بالمعنى العام، أي موحد، لأن دين جميع الأنبياء هو التوحيد، وقد سمى القرآن بعض الأمم السابقة بالمسلمين في غير ما موضع.
والمصنف يقصد: أن آريوس كان موحدًا وحارب التثليث والشرك، ودعى الناس إلى النصرانية الحقة، فهو بهذا الاعتبار مسلم، وأتباعه مسلمون.
ولا شك أن من يقرأ الفقرة المنقولة أعلاه لا يخطر بباله إلا الإسلام الخاص المعروف، إذ هو المراد عند الإطلاق، وفي نظري أن هذا نوع من الاعتزاز الوهمي الذي ليس له فائدة إلا الإثارة المنافية للكتابة التاريخية.
أضف إلى ذلك أن عنوان الكتاب هو (100 من عظماء أمة الإسلام).. فلا شك أن المصنف يقصد بالإسلام= الإسلام الخاص، وجمهور شخصيات الكتاب هم كذلك، فكيف يصح إدراج ذلك الأسقف ضمن القائمة؟! وسيأتي التنبيه على هذا مرة أخرى بشكل أوضح.
– – – – – – – – –
تنبيـــه:
جمهور الشراح على أن المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم في رسالته لهرقل (فإن أبين فعليك إثم الأريسيين) أنهم الفلاحون، أي عامة الناس، وهو يخالف ما قرره المصنف في كتابه – وإن كان قولاً قيل به –
– – – – – – – – –
أيضًا من المبالغات:
يقول عن الدعاء الذي يُروى أن زيد بن عمرو بن نفيل دعا الله به قبل موته وهو قوله ص180 (الله إن كنت حرمتني من هذا الخير فلا تحرم منه ابني سعيدًا) يقول المصنف – عفا الله عنه – عن هذا الدعاء (ما سمعتْ الأرضُ مثله من قبل)!
ولا شك أن هذا مع ما فيه من مبالغة فجة، فهو رجمٌ بالغيب.
ويقول عن تاريخ عثمان رضي الله عنه ص225
(أكثر شخصية تعرضتْ للتشويه والتزييف في تاريخ العنصر البشري على الإطلاق)!!
ويقول ص231 عن الحالة الاقتصادية في زمن عثمان رضي الله عنه:
(أكثر زمن انتشر فيه الرخاء الاقتصادي في تاريخ أمة الإسلام من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم الناس هذا)!
أيُعقل هذا يا قوم!
ويقول أيضًا عن محاكم التفتيش ص389:
(أكبر عملية إرهابية شهدها التاريخ الإنساني منذ آدم إلى يوم الناس هذا)!
لعمري لا يحيط بهذا إلا نبي، ولكنها المبالغات.
وللمؤلف – عفا الله عنه – ولع كبير بهذا الاطلاق (من آدم إلى يومنا) فتراه يقول في موضع آخر مثلاً ص595:
(لم ينطبق على أحد من الخلق – فيما أعلم – من آدم وحتى يوم الناس هذا)!
وأما الخليفة هارون الرشيد رحمه الله فهو ص635 (من أعظم فاتحي البشرية على الإطلاق)!
أما المبالغة الباقعة التي مالها من راقعة قوله – عفا الله عنه – عن أحمد ديدات ص665 (أحد أعظم عظماء أمة الإسلام عبر جميع مراحل التاريخ)!
إلى أمثال ذلك، وهنا لا يفوتني أن أنصح القراء بالرجوع إلى محاضرة جميلة للشيخ خالد السبت – وفقه الله – بعنوان (المبالغون) فهي نافعة.
4 – من عيوب الكتابة العلمية: ما يسمى ب(الخيال العلمي)، والمصنف عنده خيال علمي واسع يخلطه أحيانًا بالتاريخ الحقيقي، من المواضع التي وقفت عليها – وهي كثيرة – :
قوله عن صغاطر حين قرروا قتله (ولا شك أن هالةً من نور الإيمان كانت تحيط بوجهه المشرق بالإيمان…. دمائه التي تدفقت كشلالٍ متفجر من جبينه، ولا شك أنه كان ينادي وقتها بصوت أنهكه الضرب… الخ)
ولا شك أن هذا خيال واسع لم يحصل، ولاحظ قوله (لا شك) فالمصنف يتخيل أن هذا حصل ولا بد أن يحصل! ومثل هذا تكرر في الكتاب، فيقول ص154 عن سلمان الفارسي – رضي الله عنه – حين رأى المدينة (ولعله ابتسم عنما – كذا، وصوابه عندما – رآها)!
5 – يعلق المصنف على قول عمر رضي الله عنه (ما هبت الصبا إلا وجدتُ منها ريح زيد) فيقول بعد سطور ص185 (إني لأرى من بين أحرف كلماتك تلك أيامَ الصبا التي تحدثت عنها) فقد ظن المصنف – وهو خطأ – أن عمر يتحدث عن (الصِبا) والواقع أنه يتكلم عن (الصَبا) فالأول معروف – أما الثاني فهو اسم للريح التي تهب من جهة الشرق إلى الغرب، ومنه حديث (نُصرتُ بالصَبا) ويقال لها أيضًا (صَبا نجد) وهي كثيرة الذكر في الأشعار والآثار، ووجه ذلك أن زيد بن الخطاب رضي الله عنه قُتل في حروب الردة في نجد (اليمامة) فكان عمر رضي الله عنه يشتاق إلى أخيه الشهيد، وتُذكره الرياح التي تهب من تلك الجهة بأخيه، ولله هذه المشاعر الجياشة ما أرقها عند كبير كعمر رضي الله عنه.
6 – وصف المصنف عمر وزيد ابني الخطاب = بلفظة (المارد) وهو يقصد بذلك (العملاق) وهذه اللفظة مما ينبغي تجنب اطلاقها على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم من الصالحين، وذلك أن هذا الوصف في الأصل مشتق من مردَ فهو مارد أي طغى وتجبر وعصى، وأكثر ما يستعمل على سبيل الذم، فيقال شيطان مارد، ومنه قوله تعالى (وحفظًا من كل شيطان مارد).
* قال المصنف ص25 عن كلمة (عظماء) إنها جمع مذكر سالم، والصواب أنه جمع تكسير.
* فسر المصنف كلمة (قرقور) ص168 الواردة في حديث غلام الأخدود بأنه (قفص يستخدم في صيد الأسماك) وهذا المعنى وإن كان هو الشائع والمستعمل عند العامة الآن، إلا أن الذي وجدته في شروح الحديث ومعاجم اللغة أن (القرقور) هو السفينة، قيل العظيمة وقيل الصغيرة، وهو الأليق بسياق القصة، إذ كيف سيُدخلون الغلام في القرقور؟! ولو أدخلوه كيف خرج منه ونجى بعد غرق السفينة – كما في القصة، والله أعلم.
* قال المصنف ص231 (أرفقُ هنا صورة للمصحف العثماني الأصلي الموجود إلى يوم الناس هذا في متحف إسطنبول) بتركيا بخط يد الصحابي الجليل (زيد بن ثابت) رضي الله عنهما)
ولي هنا تعليقان:
الأول: أنه لم يرفق الصورة.
الثاني: أن المصحف المذكور ليس هناك دليل على أنه لعثمان اطلاقًا، لذلك قامت إدارة (المتحف) برفعه وعدم عرضه للسياح.
7- هناك بعض المسائل العقدية والمنهجية تكلم عنها المصنف متفرقة في ثنايا كتابه = كان غير موفق في عرضها، بل كان كلامه غير محرر ومخالفًا لما عليه إجماع السلف والخلف، ولعلي أختار من ذلك مسألتين اثنتين:
الأولى: قضية الإمساك عما شجر بين الصحابة من فتن:
* فالمؤلف لم يفهم مراد أهل السنة والجماعة بهذه المسألة التي أجمعوا عليها سلفًا وخلفًا شامًا ومصر وحجازًا وعراقًا ويمنًا – كما يقول اللالكائي – : وظنّ أنهم يمنعون الكلام عن فتنة الصحابة مطلقًا بلا تفصيل، حتى لو كان من باب الرد على شبهات أهل الباطل: وتحرير هذه المسألة باختصار: أن المراد بالإمساك = عدم تتبع جزئيات تلك الأخبار والخوض فيها بأخذ ورد ونشر ذلك بين العامة الذين لن ينتفعوا من ذلك بشيء، وأما إذا قام أهل البدع بالطعن في الصحابة فالخوض في الفتنة حينها = جائز بل مستحب بل قد يكون واجبًا.
ولما التبس المقامان على المصنف ولم يفرق بينهما: تهجم على بعض علماء السنة وحملهم أوزارًا لم يحملوها بل تجرأ – كما يقول هو نفسه – برد بعض الآثار الآمرة بالإمساك عما شجر، فتجده يقول عن الأثر العظيم المروي عن عمر بن العزيز الذي نقله وأقر به الخلف عن السلف (تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا، فلنعصم منها ألستنا) يعلق الكاتب فيقول ص240:
(ولدي من الجرأة ما يدفعني لكي أقول أن زمن تلك المقولة قد انتهى)!
ويقول قبلها محملاً بعض العلماء وزر تشيع شباب السنة:
(هناك نفر مسؤولون أيضًا سيقفون بلا شك بين يدي الله ليتحملوا جزءًا كبيرًا عن كل شاب تشيع… هؤلاء النفر هم بعض علماء السنة الذين لم يبينوا للناس الحقيقة الكاملة لقصة الفتنة…. كان يحيرني دومًا: من الذي كان ظالمًا ومن الذي كان مظلومًا) انتهى باختصار.
وليته اكتفى بذلك، بل نصب نفسه حكمًا بين علي ومعاوية رضي الله عنهما! ثم ليته قال بقول الجمهور مثلاً، بل قام بتخطئة الاثنين!
يقول غفر الله له ص258:
(الحقيقة التي قد يندهش البعض منها أن الحق لم يكن تمامًا مع أيٍ منهما)
وهنا في الحقيقة يحضرني ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه (59/141) في ترجمة معاوية رضي الله عنه من طريق ابن منده ثم من طريق أبي القاسم ابن أخي أبي زرعة الرازي قال: جاء رجل إلى عمي فقال له: إني أبغض معاوية، فقال له: لم؟ قال: لأنه قاتل عليًا بغير حق، فقال له أبو زرعة: رب معاوية ربٌ رحيم وخصم معاوية خصمٌ كريم، فما دخولك بينهما؟.)
وأنا أقول للأخ جهاد: ما دخولك بينهما عفا الله عنك؟! وليتك تورعت عن الخوض في هذه المسألة التي أحجم عن الكلام فيها عظماء وأجلاء لا نساوي شعرة في جبين واحد منهم.
فهذا أحمد إمام أهل السنة فقد روى الخلال في « السنة » (2/460)، وابن الجوزي في « مناقب الإمام أحمد » (164): قيل للإمام أحمد: ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية رحمهما الله؟ قال: ما أقول فيها إلا الحسنى رحمهم الله أجمعين)
ولولا أن المقام ضيق: لسردتُ هنا عشرات النصوص للسلف، وهو محل إجماع عندهم كما حكاه غير واحد،
وفي الجملة: فهذه المسألة ليست من المسائل التي تُؤخذ لا مني ولا من كتاب ثقافي كهذا، بل الجادة فيها الرجوع لما سطره العلماء في هذه القضية على مر العصور فراجع في ذلك مثلاً (الشريعة للآجري، وشرح اعتقاد أهل السنة للالكائي، والسنة لابن أحمد، وما كتبه المتأخرون كشيخ الإسلام ابن تيمية في الواسطية مثلاً أو المنهاج وغير ذلك.
المسألة الثانية: مسالة العلة من تشريع الجهاد
من المسائل التي لم يحررها، مسالة العلة من تشريع الجهاد أو مفهوم الجهاد في الإسلام (فلسفة الجهاد)، فمن يقرأ كلامه المنثور في ص 104 أو 612 يظن أن الجهاد لم يشرع إلا للدفع فقط، فيحاول المصنف التركيز كثيرًا على جهاد (الكلمة) وأن المسلمين لم يحملوا السيف إلا دفاعًا عن أنفسهم ويبالغ في ذلك كثيرًا – كعادته في الكتاب – فيقول:
(وما حكمنا العالم من أقصاه إلى أقصاه إلا بكلمات من أفواه الدعاة!!… فأقوى سلاح يملكه المسلم هو الكلمة! وبالكلمة – لا بالسلاح – دعا نوح قومه 950 سنة، وبالكلمة جاهد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الكفار َ!! وبالكلمةملكنا قلوب الشرق والغرب، وبالكلمة بنينا حضارتنا العظيمة…! الخ)
لا أخفي القراء أني شعرت بالخيبة وأنا أقرأ هذا الكلام وأمثاله المبثوث في ثنايا الكتاب، وسبب خيبتي ليس نفس الكلام المذكور، فنفس الكلام هذا هو السائد والمنتشر في الخطاب الدعوي المعاصر الانهزامي إلا ما رحمه الله، ولكن سبب خيبتي هو أن يصدر هذا الكلام من كاتب قرأ تاريخنا قراءة جيدة لا بأس بها، من كاتب يقول عن نفسه كما في ص 497 إنه قرأ (تاريخ الإغريق والفراعنة والرومان بشقيه الغربي والشرقي، وتاريخ الفرس والهند والجزر اليابانية والصين وأوروبا وأمريكا)!
هذا ما قرأهُ في تاريخ البشر، فكيف بتاريخ المسلمين؟!
فمن قرأ نصف تاريخ المسلمين وغيرهم – لا أقول كله – يعلم أن الدول – في الغالب – لا تقوم إلا بقوةٍ – لا بالكلمة فحسب – الدول لا تقوم غالبًا إلا تحت ظلال السيوف التي نخشى نحن من التصريح بذلك، مراعاة للجو العالمي الحالي،
ولئن احتفل الناس بإندونيسيا وما حولها بأنها فُتحت ب (الكلمة والأخلاق) فماذا نقول في الشام والعراق وشمال أفريقيا وإسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا ودول لا تحصى في شرق أوروبا والهند والسند وخراسان وهلم جرًا = هل فتحناها بالكلمة والرسائل؟!
لا بد للحق من قوة..
هذه الحقيقة العلمية التاريخية الواقعية التي نحاول الهروب منها، و(القوةُ) أنواع ٌ، وأعظمها: قوة السيف الذي حملناه بحق وعدل لا بظلم.
قال ابن تيمية: (قوام الدين كتاب يهدي وسيف ينصر وكفى بربك هاديًا ونصيرًا) (الفتاوى)
وهل خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة إلا ليقيم دولة ذات جيش يحمل السيوف، سيوف مستعدة للدفاع والهجوم معًا، وليس للدفاع فقط كما يحاول أن يصوره كثير من الكُتاب المعاصرين – وتأثر بهم المؤلف – .
وقد تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم إبان خروجه مهاجرًا من مكة قوله تعالى (وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا)
قال قتادة: (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم، علم ألا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله، ولحدود الله، ولفرائض الله، ولإقامة دين الله)
وهل يقوم سلطان بلا سيف؟!
وأصل الإشكال في هذه المسألة: تلك المقولة الشهيرة في العصور المتأخرة (عصور الذل والانحطاط):
(هل انتشر الإسلام بحد السيف؟!)
والحق أن هذه المقولة مجملة جدًا، فلا بد فيها من استفصال السائل، لا أن نبادر بالنفي المطلق – كما يفعله كثيرون – مصادمين بذلك – دون أن يشعروا – نصوصًا صريحة تأمر برفع السيف وقتال الكفار ابتداءً لا دفاعًا، كقوله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) وقوله (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) وقوله عليه الصلاة والسلام – وهو من أصرح الأحاديث في جهاد الطلب (أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله…) الحديث.
وأذكر أني مرة ً استشهدتُ بهذا الحديث في مسجد من المساجد، فهاج بعض الحاضرين وامتعض لهذا الحديث الغريب العجيب الذي لم يسمع به من قبل بسبب الخطاب السائد، وبادرني قائلاً (هل أنت متأكد أن الحديث صحيح؟!) فقلت له: نعم، هو في الصحيحين!
أعود فأقول إن هذه المقولة (الإسلام انتشر بحد السيف) فيها إجمال بحاجة إلى استفصال، فنقول:
هل مراد من يقول تلك المقولة: أن المسلمين أجبروا الناس وأكرهوهم بالسيف لاعتناق الإسلام؟!
فالجواب: هذا كذب، لم يحصل تاريخيًا، ولا يجوز شرعًا لقوله (لا إكراه في الدين) أي في دخوله.
وإن كان مرادهم أن السيف كان السبب (الوحيد) لانتشار الإسلام = فكذب أيضًا.
وإن كان مرادهم من تلك المقولة: أن المسلمين رفعوا السيف واستعملوه وسيلة لنشر الحق الذي أنزله الله وهو التوحيد والعدل؟!
فالجواب: نعم حصل هذا، ومن شمّ رائحة كتب التاريخ يعلم هذا، فلولا الله ثم السيف الذي رفعه المسلمون – بحق وبعدل – ثم الكلمة والحكمة والموعظة الحسنة – لولا مجموع هذا – لما وصل الإسلام في صدر تاريخ الإسلام من الأندلس غربًا إلى الصين شرقًا.
وكل الأمم قديمًا وحديثا ً تستعمل السيف (القوة) لنشر المبدأ (الذي تعتقد أنه حق) بين الناس، والفرق بيننا وبينهم هو في آلية استعمال السيف، فقد وضعت لنا شريعة الرحمة ضوابط وقواعد لاستعمال هذا السيف، ووضعت لنا اجراءات مسبقة قبل اللجوء إلى استعمال السيف، وحددت لنا مناطق ومساحات استعمال السيف، فنحن – ولا فخر – استعملنا السيف بحق وعدل ورحمة وبطريقة – كما يقولون – حضارية للغاية، وليس بطريقة همجية كما تفعله الأمة النصرانية مثلاً قديمًا وحديثًا.
وليت شعري: هل سنحرر فلسطين بالكلمة؟
هل سنحرر كشمير وأفغانستان والعراق بالكلمة؟!
لقد وصل الحال ببعض المشايخ – وهو رجل له وزنه في العالم الإسلامي ويصفه أتباعه بالمجدد – أن يقول في كلمة له سمعتها بأذني: أنه لا حاجة إلى الجهاد _ جهاد الطلب – في هذا العصر، لأن الدعوة متاحة في كل مكان بالإنترنت وغيره!
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ونحن قد كسرنا سيوفنا منذ أن سقطت الخلافة بل وقبلها أي منذ ما يزيد من قرن من الزمان، فلم يعد هناك (جهاد طلب وفتح لبلدان) فماذا جنينا من ذلك؟!
هل تَرَكنَا الأعداء في حال سبيلنا؟!
الذي حصل هو العكس: احتُلت أراضينا وديس على كرامتنا ونُهبت خياراتنا وأصبحنا أضعف وأرذل الأمم بعد أن كنا قادته!
لأن الناس لا تريد أن تقتنع بالقاعدة المؤلمة الواقعية (إن لم تهاجم = هاجموك ولا بد) هذه سنة الله في الكون، سنة التدافع، (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)
وأنا لست أقول إن المصنف ينكر جهاد الطلب رأسًا، فحاشاه ذلك، ولكن كلامه موهم إيهامًا شديدًا، وفيه تهوين غير مباشر لجهاد (القتال) وتركيز مبالغ فيه على جهاد (الكلمة)، والله المستعان.
8- من القضايا المهمة الجديرة بالنقاش في الكتاب: قضية المبالغة في تصوير تاريخنا الإسلامي ككل بأنه تاريخ مشرق كله:
انتشرت في الفترة الأخيرة كتب كثيرة تبرز وتركز على جوانب جميلة وعظيمة كانت في تاريخنا الإسلامي، وأنا أعني بالتاريخ هنا: التاريخ كله باستثناء عصر النبوة والخلافة الراشدة، أي من تاريخ الأمويين إلى سقوط الخلافة عام 1342 ه – 1924 م، وقد ظهرت هذه الكتب كردة فعل أمام سيل من الكتب والكتابات التي تصور تاريخنا على أنه أسود كله – إلا عصر النبوة والخلافة الراشدة – وظلت هذه الكتب التشويهية هي المهيمنة على الأمة لسنوات عدة، أضف إلى ذلك الكتب المدرسية المكتوبة بأقلام غير نزيهة،
وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
أما التشويه المتعمد وإخفاء الجوانب الحسنة فلا شك أنه من آثار الاستخراب والاستشراق ونرفضه تمامًا،
وأما التركيز الشديد على جوانب التاريخ الجميلة والمبالغة – كما هو الحال في هذا الكتاب – فله آثار سيئة،
يجب أن نعلم أن تاريخنا تاريخ بشري، يعتريه ما يعتري البشر من نقص وعيب، وكم من إنسان أدمن قراءة هذه الكتب التي تصور التاريخ على أنه نور وجميل كله = فإذا ما قرأ في كتب التاريخ التراثية ونظر في المصادر الأصلية: ووقف على قتل ونهب ومذابح جماعية بين المسلمين وظلم وخيانات وانقلابات وغدر وموالاة للكفار وتعاطي للمنكرات والفسوق بل على بدع وكفريات – وهذا كله موجود في صفحات من التاريخ – = أُصيب بصدمة نفسية عنيفة، وأخذ يشك في مصداقية كلام المعاصرين، وربما شك في تاريخنا كله واحتقره وارتاب منه، هذا إذا لم يقدهُ الشكُ إلى أكبر من ذلك، وما علم المسكين: أنه كان ضحية لكتب تخديرية، هذا من جانب، ومن جانب آخر نسي أنه يقرأ ويتعامل مع تاريخ لبشر وليسوا ملائكة!
والعاقل الحصيف: يعتز بتاريخه في الجملة: لأنه جزء من هُويته الإسلامية، ويستفيد من التاريخ كله، ونأخذ العِبر والعظات من الجوانب المظلمة الكائنة فيه، ولا نتملص منها، بل نقر بها، ونتعلم من دروسها، وهكذا تفعل كل الأمم.
9- يصف المصنف الزيدية – من فرق الشيعة – بأنهم إخوة لنا ص474، وأنهم أقرب للسنة منهم للشيعة وأن تفضيلهم لعلي على الشيخين لا يُخرجهم عن كونهم إخوة لنا.
وأقول: هذه من الأغلاط الشائعة الناتجة عن عدم الاطلاع على حقيقة هذه الفرقة الخبيثة معتقدًا – وهم الزيدية – والكلام عنهم طويل، ولكن باختصار شديد:
الزيدية وعيديةٌ في “باب الأسماء، والأحكام”، قدرية في “باب القدر”، جهمية محضة في “باب الصفات، ويوافقون المعتزلة في أصولهم الخمسة المعروفة، وقد نص على ضلالاتهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، راجع مقالة على الشبكة بعنوان (
دحضُ مقولةِ إن الزيديةَ أقربُ طوائف الشيعة لأهل السنة) للرفاعي.
لذلك ليس غريبًا أن تحالفوا مع الرافضة كما ذكر المصنف ص475 لأنهم يتقاطعون معهم في كثير من المسائل الضالة، فمعتقدهم ومنهجهم يقود إلى الرفض لا محالة.
10- لقد نهى السلف عن تتبع الغرائب، غرائب العلم، وغرائب الحديث والأخبار، ونشرها بين العامة، وللمصنف ولع كبير بتتبع الأخبار الغريبة، وإصدار الأحكام الغريبة جدًا المثيرة للجدل، فعند المصنف:
*طارق بن زياد: جزائري لا مغربي (وهذا يسير).
*وأبراهام لينكولن (الرئيس الأمريكي) كان مسلمًا! يخفي إسلامه، ولعله – كما يقول المصنف – قرأ – أي أبراهام – في كتب التاريخ كيف أخفى النجاشي إسلامه! فاقتدى به! (ص385)[[1]]
*وأيمن الظواهري عميل روسي!(مقطع يوتيوبي).
*وزهير بن أبي سلمى: الشاعر الجاهلي، صاحب المعلقة، هو أحد العظماء المائة في تاريخ الإسلام الذين غيروا مجرى التاريخ!!
* كل هذا بلعتُه على مضض وتجاوزناه، ولكن الأمر الذي لا يُبلع ولا يستساغ، والأمر المستفز للسنة قبل الشيعة: أن يزيد بن معاوية هو أحد العظماء المائة في تاريخ الإسلام الذين غيروا مجرى التاريخ!!
في الحقيقة: لا أصف شعوري وأنا أقرأ أن يزيد هو من ضمن القائمة المائة، وأخذتُ أتساءل: كيف؟ ولماذا؟ ولمصلحة من؟!
هل عجزت بطون الأمهات أن تلد لنا عظيمًا كي نذهب ليزيد؟
هل ضاقت على المصنف بطون الكتب المشحونة بالآلاف والآلاف كي يختار يزيد؟!
أين ابن المسيب والحسن وابن سيرين والزهري وأويس القرني وعمر بن عبد العزيز والليث بن سعد وابن أبي ذئب وأخرون في ألوف مؤلفة لا يحصيهم ولا يعلمهم إلا الله، نترك كل هؤلاء وأمثالهم ممن أجمعت الأمة على فضلهم لنذهب إلى شخصية أقل ما يقال عنها إنها شخصية (مشبوهة) ونجعله عظيمًا!
ثم لاحظ أنه ليس عظيمًا فحسب، بل هو أحد العظماء المائة الذين فغيروا مجرى التاريخ!!
وليت شعري ما التاريخ الذي غيره يزيد؟!
وليت شعري أي عظمة هذه التي يتحدث عنها المصنف؟!
تلك العظمة التي غابت عن عشرات العلماء الذين تتابعوا على ذمه؟!
وليت المصنف اكتفى بإدراج يزيد – عامله الله بعدله – ضمن القائمة وسكت، لا
بل قام بالتهجم على علماء السنة الذين ذموا يزيد (العظيم المظلوم)!
يقول الكاتب – عفا الله عنا وعنه – (والمضحك المبكي في هذا كله أن يتحول العلماء والمؤرخين[[2]] – كذا – إلى (ببغاوات)!! تردد تلك الروايات…)
وبالجملة: فترجمته ليزيد سيئة للغاية، وفيها من المغالطات العلمية والتاريخية الشيء الكثير، ولو أخذتُ أتتبعها واحدة واحدة لطالت المقالة أكثر مما هي عليه، والرأي: الاعراض عما سطره الكاتب عن يزيد رأسًا، فلم يكن موفقًا فيه البتة، ومن أراد معرفة الصواب حول موقفنا من يزيد، فليرجع إلى ما سطره الأئمة والعلماء الذين يصفهم الكاتب بالببغاوات!
وإليك بعضها، وفيها كفاية لمن أراد الحق، ولا أريد الإطالة في هذه المسألة لأنه عندنا من المصائب في هذا الزمن ما يشغلنا عن رجل أفضى إلى ما قدم منذ قرون:
قيل لإمام أهل السنة أحمد بن حنبل: أيُؤخَذُ الحديثُ عن يزيد؟ فقال: لا، ولا كرامةَ، أوَ ليس هو الذي فعلَ بأهل المدينة ما فعل.
وقيل له: إنّ قومًا يقولون: إنّا نُحِبُّ يزيدَ[[3]]،
فقال: وهل يُحِبُّ يزيدَ مَن يُؤمِنُ بالله واليوم الآخر؟!
فقيل له: أوَ لا تلعنُه؟
فقال: متى رأيتَ أباكَ يلعنُ أحدًا. (انظر:جامع المسائل لابن تيمية 6/261)
والعجيب أن المصنف يريد أن يوهم القارئ أن الإمام أحمد يزكي يزيد! وذلك لمجرد أن أحمد استشهد بكلمة من خطبة ليزيد وأودعها في كتابه (الزهد) المنسوب له! معرضًا ومتغافلاً عن النصوص الصريحة لأحمد في ذم يزيد كالنص الذي نقلته أعلاه وغيره: ولا شك أن هذا تلبيس.
ومثل هذا الصنيع صنعه الكاتب مع ابن كثير، رغم أن ابن كثير يقول بصريح العبارة:
(قد أخطأ يزيد خطأ فاحشًا في قوله لمسلم بن عقبة أن يبيح المدينة ثلاثة أيام، وهذا خطأ كبير فاحش، مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم، وقد تقدم أنه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيد الله بن زياد)0
فيترك المصنف هذا النص الصريح، لينقل عن ابن كثير قوله إن الأحاديث المرفوعة في ذم يزيد موضوعة! فأين تزكية ابن كثير له في تلك العبارة؟!
وقال إمام المؤخرين المتأخرين الذهبي رحمه الله:
في كتابه (تاريخ الإسلام): ”ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل، وقتل الحسين وإخوته وآله، وشرب يزيد الخمر، وارتكب أشياء منكرة، بغضه الناس، وخرج عليه غير واحد، ولم يبارك الله في عمره…”. وقال في كتابه (سير أعلام النبلاء) ”وكان ناصبيًا، فظًا، غليظًا، جلفًا. يتناول المُسكر، ويفعل المنكر. افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس. ولم يبارك في عمره.)
ووقعت (الحرة) لمن لا يعرفها، وهي من مصائب يزيد التي تغافل عنها الكاتب، يبينها ابن تيمية في الوصية الكبرى، وهي الرسالة السابعة من “مجموعة الرسائل الكبرى” له: قال في ص307 من الرسالة المذكورة: ”وأمَّا الأمر الثاني: فإنَّ أهل المدينة النبوية نقضوا بيعته [يقصد يزيد بن معاوية]، وأخرجوا نوابه وأهله، فبعث إليهم جيشًا، وأمره إذا لم يطيعوه بعد ثلاث أن يدخلها بالسيف ويبيحها ثلاثًا، فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثًا يقتلون وينهبون ويفتضون الفروج المحرَّمة، ثم أرسل جيشًا إلى مكَّة، وتوفِّي يزيد وهم محاصرون مكة، وهذا من العدوان والظلم الذي فُعل بأمره”.
وقد حاولت أن أعرف أو أحلل السبب الذي جعل الكاتب عفا الله عنه يورد يزيد في القائمة: فظهر لي بعد التأمل أنه أورده نكايةً فقط في الشيعة وغمًا وهمًا لهم، فالكاتب في كثير من المواضع – وهذا منها – يكتب بردة فعل عنيفة وباندفاع شديد وعاطفة ملتهبة،
وبيان ذلك أكثر: أن الكاتب – وفقه الله – كان في السابق متأثرًا إلى حد كبير بالشيعة وكان يشكك في إسلام معاوية بن أبي سفيان وفي إسلام أبيه من قبله أبي سفيان رضي الله عنهما، لذلك يقول عن نفسه ص240 (كنتُ للتشيع يومئذ أقرب مني لمذهب اهل السنة والجماعة)
فلما هداه الله لمذهب أهل السنة في هذه المسائل وغيرها: أصيب بردة فعل، ففعل ما فعل، وهذا لا يستقيم في المنهج العلمي أبدًا، نسأل الله أن يعفو عنا وعنه وعن جميع المسلمين.
11- الملاحظ الأخيرة التي أختم بها:
وقع الكاتب في أخطاء لغوية نحوية كثيرة جدًا بشكل مزعج، فقد وقفت على قرابة 50 خطًا نحويًا، وأنا هنا لا أعني الأخطاء المطبعية – فهذه لا يسلم منها أحد، حتى مقالي هذا – وإنما أقصد اللحون المزعجة،وأنا إذ أرصد تلك اللحون ليس من باب تتبع عثرات أخي جهاد – حاشى لله – بل من باب النصيحة، وانطلاقًا من الكلام الجميل الذي سطره في صفحتين ص592و ص593 عن اللغة العربية وأهميتها وأنها جزء من الهوية، وبيّن فيها وفقه الله أن (أول أعمال الاحتلال هو وضع خطة لتحطيم اللغة العربية) وقد صدق وبرّ في ذلك، فانطلاقًا من هذا وغيره ذكرت ذلك، ولا يتسع المقام لسرد تلك الأغلاط النحوية التي تربو على الخمسين كما قلنا لأنها واضحة بأدنى تأمل، هذا فضلاً عن الأخطاء المطبعية التي لا يسلم منها كتاب، علاوة على الأخطاء في كتابة الأشعار الواردة في الكتاب، وهي كثيرة، والمحزن إذا أخذنا في عين الاعتبار أن الكتاب تجاوز طبعته العاشرة، وهو بهذه الحالة!
خلاصة المقالة:
رأيي الشخصي في الكتاب: أنه ضعيف علميًا، وإذا تجنبنا المغالطات الموجودة فيه: فهو مناسب لطبقة العوام، والله أعلم.
كتبه: سالم بن محمد بن عبد الرحمن القحطاني
الدوحة – قطر
[1] وهو خيال علمي كما ترى،وقد برهن المصنف على إسلامه بستة أدلة واهية، وليس كلامي الآن في مناقشة ذلك فهي واضحة الضعف لمن تأملها، ولكن سؤالي لماذا الإغراب؟ ولماذا التنقيب عن شخصيات يمنةً ويسرة ودواوين التاريخ مشحونة بآلاف العظماء؟!
[2] الصواب: والمؤرخون
[3] لاحظ: مجرد حب، وليس عظيمًا من عظماء الإسلام الذين غيروا مجرى التاريخ!!