زعم الذين يسمون أنفسهم -كذباً وزوراً- (بالقرآنيين) أن البخاري هو أوّل من جمع الأحاديث النبوية،وما ذاك إلا لتضليل المسلمين وتشكيكهم بها وعدم الرجوع إليها..
فقد سبق أن أثبتنا أن بعضاً من الصحابة قد كتبوا الحديث في عهد النبي،وأخذوه عنه مباشرة،وكان أولهم عبد الله بن عمرو بن العاص والذي كتب صحيفة حوت ألف حديث..وتابعه ابنُ أبي أوفى،وابن سمُرة،وغيرهم..
ولم يكن الصحابة قد جمعوا الأحاديث كلها بسبب عدم وجود توفر أدوات الكتابة من كُتّاب،وأقلام،وأوراق..فالعصر الأول كان عصر أُمّيّة..ومع هذا وُجد من كتب كما سبق، بالرغم من الانكباب الكبير على القرآن،وعدم الانشغال بما سواه ليستقر بينهم جميعاً.
ثم انشغل الصحابة بالفتوح شرقاً وغرباً وشمالاً،وحدث أن تفرّقوا في البلاد..
وكانوا قد سمعوا من النبي مشافهة،أو رأوا عياناً،وهم أهل صدق وحفظ وضبط وعدالة..وقد شهد لهم القرآن بذلك كما قال تعالى عنهم: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ..
فهذه شهادة من الله فيهم،ولو كانوا منافقين أو كذابين لما رضي الله عنهم..
وقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا..وهذه شهادة أخرى من الله بحُسن مقاصدهم.
أما المنافقون منهم،فهم معروفون ومعدودون..
وكان الصحابي حذيفة بن اليمان صاحب سرّ رسول الله قد سمّى له نبينا المنافقين..
وكانت الرواية عن نبينا من طريق الصحابة المجمع على دينهم وصدقهم وعدالتهم.
وقد صح أن بعض الصحابة سافروا إلى الشام ومصر لسماع أحاديث من صحابة آخرين قد سمعوا ما لم يسمعوها هم من النبي مباشرة..
وقد روى البيهقي في المدخل برقم 731 أن عمر استشار الناس لجمع الحديث فوافقوه ثم امتنع وقال: وَإِنِّي ذَكَرْتُ قَوْمًا كَانُوا قَبْلَكُمْ كَتَبُوا كُتِبَا فَأَكَبُّوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُ كِتَابَ اللَّهِ بِشَيْءٍ أَبَدًا “.وبقي النقل عن طريق الحفظ، من الصحابة إلى أبنائهم وأهل عصرهم،وهؤلاء يسمون بالتابعين..
وسار الخلفاء على طريقة ابن الخطاب حتى جاء عمر بن عبد العزيز سنة 99 هـ وأصدر أمره إلى والي المدينة النبوية أبي بكر ابن حزم بجمع الحديث وكتابته.. وإلى أمهات المدن كذلك،وعلّل ذلك بقوله: إني خفتُ ذهاب العلم وذهاب العلماء.
وهكذا كثُر التدوين،وكثر التصنيف وحصل بذلك خير كثير..
فكتب ابن جريج بمكة سنة 150هـ وابن إسحاق بالمدينة سنة 151هـ ومالك سنة 179هـ وحمّاد بن سلمة بالبصرة سنة 176 هـ والأوزاعي بالشام سنة 156 هـ ومعمر باليمن سنة 153 هـ ثم توالى التصنيف وجاء أحمد المتوفى سنة 241 هـ والبخاري المولود سنة 194 هـ ومسلم المولد سنة 204 هـ وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم..
وكان من الطبيعي جداً التصنيف في أصول الرواية وشروطها وعلم الرجال، وذلك بتمييز مَنْ تُقبل روايته ممن لا تُقبل…
وبهذا يظهر أن ما بين طلب الخليفة عمربن عبد العزيزوبداية التدوين،وبين ولادة البخاري قرابة مئة عام،بالإضافة إلى أنه قد سبق البخاريَّ مصنفون كُثُر في مختلف بقاع العالم الإسلامي..ومن طرق مصنفاتهم نقل وأخذ..
وبهذا ثبت أن التدوين الحديث النبوي كان قد ابتدأ في عصر النبي،ثم توقف لعشرات السنين ثم عاد بالسند المتصل إلى رسول الله.
– خاب وخسر،وضلّل ودلّس،وأضلّ وانتكس من سمى نفسه – كذباً – بالقرآنيّ..
قال الله: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ..
فالقرآن والسنة توأمان لا ينفصلان،وأصلان لا ينفكان،ومرجعان لا يضل من نهل منهما..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).
د.خالد عبدالقادر